رحلة في أعماق الأحجار الكريمة

01 May, 2022

نزار جميل مختار 
خبير مجوهرات 
ـ عضو اللجنة الوطنية للمعادن الثمينة والاحجار الكريمة باتحاد الغرف السعودية
ـ عضو لجنة الذهب والمجوهرات بغرفة الرياض


عشاق الجواهر يرون فيها ما لا يراه الآخرون، إذ تأسرهم بجمالها النادر، الذي يتمنى كل من يراه بألا ترهف العين عنه برهة، ففي أعماق الجمال تنام كنوز وأسرار وخفايا كثيرة.
وتتباين معرفة الناس بالأحجار الكريمة والجواهر بشكل كبير، فكثيراً ما نسمع في محلات المجوهرات أسئلة يطرحا المشترون على غرار: هل هذا الحجر حر؟ هل الألماس بلجيكي؟ هل الحجر نظيف؟ لدى شرائهم قطعة معينة من المجوهرات.
وفي الواقع أن السؤال الأول يقصد به هل الحجر طبيعي؟ أم صناعي؟ أم مقلد؟ أم معالج أو محسن؟، والسؤال الثاني يقصد به هل الألماس مصدره بلجيكا؟ أي هل جودته عالية؟ وتغيب عن الكثيرين هنا حقيقة أنه لا توجد في بلجيكا مناجم للألماس، لكنها اكتسبت هذه الشهرة من كثرة الألماس الخام الذي يورد إليها، وتقوم بصقله في المعامل الموجودة في مدينة انتويرب، نظرا لوجود الحرفيين المهرة في قطع الألماس الذين استوطنوا فيها منذ أكثر من خمسة قرون، وكذلك لوجود بورصة لسوق الألماس في المدينة نفسها. وعلاوة على ذلك يأتي الألماس أفضل من ناحية النقاء والعناية بالصقل حسب النسب النموذجية والمعايير المعتمدة عالمياً، والتي وضعها عالم الرياضيات مارسيل تولكويسكي، لذلك اشتهر الألماس الذي يأتي من بلجيكا عن سواه، واكتسب صفة الفخامة (الماس بلجيكي) على الرغم من وجود عدة بورصات عالمية مهمة في دول منافسة.
أما السؤال الثالث وهو بيت القصيد هل الحجر نظيف؟ فهو للألماس ولسائر الأحجار الكريمة الأخرى، فماذا يقصد بالنظافة؟
يقصد بالنظافة هنا مستوى نقاء أو صفاء الحجر الكريم، فالنقاء هو أحد أهم عوامل تقييم الحجر الكريم، ويلعب دوراً مهماً في ارتفاع قيمة الحجر. وهو يقيس درجة الصفاء أي مدى خلو الحجر من الشوائب أو الأجسام التي تشكلت ضمن الحجر، وهي الاجسام الغريبة من معادن أخرى تداخلت مع تركيبة الحجر الأصلي اثناء فترة التكوين، وتعرف بمصطلح (INCLUSION)، كما تشمل صفة النقاء والنظافة هنا خلو الحجر من العيوب والتشوهات الخارجية التي تنشأ عن الصقل وتسمى (BLEMISHES).
وتتخذ الشوائب أشكالا معينة، وتتباين أحجامها ضمن الأحجار الكريمة بشكل كبير، فبعضها يمكن رؤيته بالعين المجردة وبوضوح تام، في حين أن بعضها الآخر لا يمكن رؤيته إلا بواسطة مكبر أو مجهر خاص بالأحجار الكريمة.
وتلعب درجة نقاء الحجر دوراً مهماً في تحديد قيمته، فكلما كانت الشوائب والعيوب كبيرة وواضحة قلت قيمته الحجر، وكلما كانت الشوائب والعيوب قليلة أو معدومة زادت قيمة الحجر الكريم، علماً بأن الأحجار الكريمة الخالية من الشوائب والعيوب تعد الأفضل.
ويستثنى من هذه القاعدة بعض الحالات في بعض الأحجار الكريمة، حيث أنه إذا كانت الشوائب فريدة ومكتملة يرتفع سعر الحجر، كما في حجر الكهرمان ويسمى باللغة الإنجليزية (AMBER)
فكما نعرف أن الكهرمان مادة صمغية تساقطت من إفرازات بعض الأشجار، وقد تحتوي اثناء تساقطها على شوائب أو أجزاء من الحشرات، ثم تتحجر هذه المادة الصمغية عبر ملايين السنين، فإذا حدث وأن كانت هناك حشرة كاملة تحجرت ضمن الكهرمان فإن سعر الحجر يرتفع.
وهناك نوع آخر من الشوائب تعطي للحجر خاصية جمالية، مثل خاصية النجمة أو الحجر النجمي وتسمى هذه الخاصية البصرية بالإنجليزية: (ASTERISM). وهناك أيضا خاصية البريق المتغير، مثل ما يعرف بعين الهرة وتسمى: (CHATOYANCY) بسبب وجود شوائب ذات شكل معين داخل الحجر.
وهناك شوائب تأتي متشكلة بشكل طبيعي ضمن الأحجار الكريمة، كما في حجر الدندرايت وهي تعطي للحجر أحياناً قيمة أعلى. وكذلك الشوائب المنتظمة في حجر الزمرد وغيرها من الأحجار الكريمة الأخرى.
ويحظى نوع أو شكل الشوائب بأهمية كبيرة لدى خبراء المجوهرات، فمن نوعية الشوائب يمكن غالبا تحديد هوية الحجر بسهولة، وعما إذا كان طبيعياً أم صناعياً، أم معالجاً أو محسناً، لأن هناك الكثير من الشوائب الطبيعية تكون في الحجر الطبيعي ولا يمكن أن تأتي في الحجر الصناعي والعكس صحيح.
وبإمكان خبراء المجوهرات أيضا ان يستدلوا في بعض الأحيان على مصدر الحجر من الشوائب الموجودة بداخله مثل نوع من الشوائب يسمى ثلاثي الأوجه (سائل وغاز وشوائب صلبة) يوجد فقط في الزمرد الكولومبي المنشأ، ولا يتوافر في الزمرد المستخرج من مصادر أخرى.
وللشوائب مسميات و مصطلحات يعرفها خبير المجوهرات المتخصص، وتستخدم في المختبرات نذكر منها على سبيل المثال: السحابة، الريشة، الصدع، رأس الدبوس، بصمة الأصبع ، الإبر الشعرية، النقرات، ذيل الحصان، خطوط الحمار الوحشي، الخطوط اللونية، العقد، اللحية، ثقب أشعة الليزر، ثنائي الأوجه، ثلاثي الأوجه، الفقاعة الغازية، الجيب، السائل، الكريستال الغامق أو الفاتح، إلخ...
وعلى الرغم من أن وجود الشوائب داخل الحجر غير محمود، إلا أن النظر إلى هذه الشوائب بواسطة المجهر الخاص بالأحجار الكريمة، وتأمل تداخلاتها العجيبة والأشكال الجميلة لتلك الشوائب بأنواعها المختلفة له متعة خاصة.