تاجٌ ملكي فاخر كان حديث الساعة منذ عدة سنوات، أبهر الجميع بجمال تصميمه وروعة فكرته، وهو تاجٌ تزينت به الملكة الحسناء رانيا العبدالله وصُمم خصيصاً لها في عام 2005، بطلب من زوجها الملك عبدالله الثاني - ملك المملكة الأردنية الهاشمية - من قبل مصمم المجوهرات العالمي Yan Sicard فما الذي كان يميز هذا التاج عن غيره من التيجان التي تزينت بها الملكات والأميرات على مر التاريخ؟ هل كانت فخامة التاج تكمُن فقط في جودة الماسات الفاخرة التي تم وضعها على إطارٍ من الذهب الأبيض والتي يبلغ عددها 1200 قطعة تزن الواحدة منها 20 قيراطاً؟ أم كان هناك أمرٌ آخر ميز هذا التاج عن غيره؟ ما تميزت به هذه التحفة الفنية هي وجود جملة “العظمة لله” كمكون أساسي متكرر في تصميم التاج وقد كتبت هذه العبارة عميقة الأثرِ والمعنى بالخط العربي، ورُصعت حروفها بأغلى أنواع الماس بتناسق بالغ الانسجام مُشَكلاً بالمحصلة تاجاً أسطورياً لم يثرِ البُعد الجمالي فقط بل كان له بعدٌ دينيٌ وثقافيٌ واضح مجّدَت حروفه الخالق سبحانه وتعالى وكُرِمَت فيه اللغة العربية الأصيلة.
وقد كانت للّغات وحروفها أهمية كبرى لدى جميع الشعوب على مر العصور، ولم تكُن أهميتها محصورة على التعلم والتواصل فقط، بل تعدّت ذلك لتصبح فناً مرموقاً يُعنى بالجماليات الزخرفية للحروف والكلمات. كما كان للخطوط باختلاف أشكالها وتشكيلها دورٌ في تطوّر الحضارة والعمارة. فجدران المساجد والكنائس والمعابد كانت تحوي عدداً هائلاً من العبارات والزخارف الخطيّة الجميلة والمعبرة عن مختلف جوانب الحياة والثقافات. ومن هذه الخطوط والحروف تم ابتكار نماذج عبقرية تجسد الطير والزهر والحيوان في صياغة تشكيلية مبهرة يتم توظيفها في مختلف الفنون كالرسم والتدوين والهندسة وغيرها من الصناعات والحرف .كما تزينت الشعوب بخواتم وقلادات نقشت ونُحتت عليها عبارات وتمائم وتعاويذ مختلفة. إضافة إلى حفر الحروف والأرقام على المعادن عند صناعة الأختام والعُملات .
وبالحديث عن فن الخط «Calligraphy» فإن اللغة العربية بخطوطها المتعددة وروعة تشكيلها ونقاطها، كالثلث والنسخ والرقعة والديواني وغيرها من الخطوط التي استخدمت في تدوين آيات القرآن الكريم كفيلة بأن تدرج هذه اللغة العريقة في قائمة أكثر الخطوط جمالاً واستعمالاً، وذلك لأن حروفَه تتميز بخصوصية فنية فريدة تجعلها تنفرد بطواعية خاصة عن سائر الحروف باللغات الأخرى، إذ إنه قابل للتشكيل والتكوين بطرق مختلفة بكل سهولة ضمن إطار تصميميّ إبداعي يجعلها محطّ أنظار وتقدير العديد من المصممين الذين استعانوا بأحرفها في التصاميم الهندسية والديكور. كما ظهر الخط العربي في الكثير من الأزياء والمجوهرات، بدءًا من دور الأزياء العالمية، وصولاً إلى رواد المصممين بالعالم.
ويحظى الخط ونقوشه المبتكرة بنصيبٍ كبيرٍ في تصاميم المجوهرات، فالسيدة عزة فهمي التي اكتسحت مجوهراتها الأسواق العالمية، كانت ولاتزال المتصدرة بتجسيد الحروف العربية والهيروغليفية في أغلب تشكيلات مجوهراتها التي تتسم بالطابع الشرقي المعاصر، والمصاغة يدوياً بحرفية ودقة بالغة. وتقوم بنت النيل بتوظيف الكلمات العربية والشعر العربي لخلق خطوط مزخرفة منقوشة على الفضة ومطعّمة بالذهب والأحجار الكريمة لتخرج بقطع استثنائية تخلد اللغة العربية وتثريها. فهناك تشكيلة رائعة من المجوهرات من دار السيدة عزة فهمي نقشت عليها أسماء الله الحسنى وبعضها تزينت بعبارات واقتباسات إيجابية تبعث على التفاؤل والسعادة. ناهيك عن أغاني السيدة أم كلثوم الخالدة والمسطرة بمهارة على قطع المجوهرات والإكسسوارات الرجالية والنسائية على حدٍ سواء.
ومن دور المجوهرات الخليجية التي أبدعت أيضاًً في صياغة قطع مجوهرات فاخرة مستوحاة من الخط العربي دار «مطر للجواهر» البحرينية والمتخصصة في صناعة أروع قطع المجوهرات المصنوعة من الذهب الأصفر واللؤلؤ البحريني الطبيعي، وتجمع في تشكيلاتها بين فخامة المجوهرات التقليدية وأناقة الطابع العصري في آن واحد. وطرحت هذه الدار قطعاً فريدة تحتوي على أسماء الله الحسنى بجانب قلادات لأسماء أشخاص مكتوبة بحروف من ذهب ونقاطها مرصعة بالألماس واللؤلؤ. كما طرحت بعيد الحب تشكيلة رائعة من الأساور والقلادات نقشت عليها أبيات من الشعر العربي الفصيح، وعبارات رومانسية خُطت بالمشاعر قبل الحروف لتسعد القلوب.
كما برزت الكثيرات من مصمّمات المجوهرات الناشئات اللواتي حملن على أعتاقهن تعزيز الهوية والثقافة العربية ودمجها بالحداثة العصرية، ومنهن المصممة اللبنانية نادين قانصوه التي أسست مشروعها في دبي تحت مسمى «بالعربي- Bil Arabi»، وهو اسم كافٍ للدلالة على سمو رسالتها التي تهدف إلى إبراز خصوصية الأبجدية العربية، وإظهار مواطن الجمال بها من خلال مجموعات تحمل مسميات عربية أصيلة كمجموعة «خط» ومجموعة «حب» و«أهواك»، وغيرها من التشكيلات الزاخرة بالحلي والجواهر الكلاسيكية الباهرة والمصنوعة من مختلف ألوان الذهب من عيار 18 قيراطاً ومطعّمة بالألماس الملون النادر والأحجار الكريمة كالفيروز والياقوت حيناً ومطليّة بألوان المينا الزاهية في حين آخر.
ولعل تعاونها مع ملك اللؤلؤ Robert Wan بمجموعة «نور العين»، خير دليل على نجاحها الساحق، وتميز أسلوبها الذي جذب لها الأنظار وابرز للعالم جمال الحروف العربية وقدرتها على التشكل والتميز.
ومن تركيا بلد العراقة وفخامة إبداعاتها في عالم الجواهر والحلي، ظهرت تصاميم ساحرة من دار “كسوة-Kiswah” للمجوهرات، والتي تتفرد بصياغة قطع من المجوهرات الفريدة المطعمة بكسوة الكعبة المشرفة والحرم النبوي الشريف، ومزينة بأسماء الله الحسنى وآيات من الذكر الحكيم بالخط الكوفي أو الأندلسي وغيرها من الخطوط العربية والنقوش الإسلامية التي تحول كل قطعة إلى لوحة تسحر الألباب. وتتميّز حلي الكسوة بتوفرها بالذهب عيار 18 قيراطاً وبالفضة أيضاً ومرصعة بالألماس والأحجار الكريمة ومنقوشة بألوان الميناء المذهبة والملونة.
ولم يقتصر استلهام التصاميم على الخطوط العربية فقط، فرائعة الآرت ديكو من دار بوشرون المصنوعة بالعام 1925م من الجاد الأخضر الزمردي، والمرصعة بالألماس النادر والأونيكس، كما تم تزيينها بحروف صينية ترمز إلى البركة في العمر لتشكل جوهرة خرافية رائعة التفاصيل. كما تم إدخال الخط الفارسي والهندي المتميزين بانسيابية الانحناءات والأشكال الفنية بتصاميم المجوهرات، من خلال صياغة حروفها بالذهب والفضة يدويا، على هيئة أسماء الأشخاص وأبيات من الشعر والعبارات المقتبسة ذات المدلولات الإيجابية البهيجة، بالإضافة إلى أجزاء من المخطوطات التاريخية والعملات الأثرية المحاطة بالحجر والخرز.
وإلى جانب ذلك كان للحروف الإنجليزية دورٌ في تصميم مجموعة Alphabet العملية والعصرية من دار SICIS للمجوهرات الإيطالية، والتي استندت على قول مأثور يقول «يجب أن نتعلم قراءة الأبجدية لنرى من خلال الحروف كل الأشياء التي بالعالم». وتحتوي التشكيلة على مجموعة من الأساور برباطٍ أسود مصنّعة من الذهب الأبيض بتعليقات ثمينة على شكل حروف مصنوعة من الفسيفساء والأحجار الكريمة والماس. ومن التصاميم التي تحوي فكرة مبتكرة هي دمجها للحرفين M A واللذين يمثلان أول حرفين ينطق بهما الطفل لينادي أمه. وهنا يكمن إبداع المصمم الذي يجمع بين الجمال والفن والمشاعر في قطعة فنية واحدة.
والحديث يطول عمّا تزخر به واجهات دور المجوهرات من تصاميم راقية مستوحاه من فن الخط بشتى أنماطه. ومهما اختلفت اللغات وتعددت من الهيروغليفية واللاتينية والعربية والصينية والفارسية وغيرها كالعثمانية والسنسكريتية والإنجليزية، فإنها جميعاً تتشابه في قدرتها على التشكل والتفنن والوصول إلى أنماط جمالية فريدة تثير الإعجاب وتشد الانتباه على يد الخطاطين المبدعين، وإن نافسهم في ذلك الخطوط الحاسوبية الجاهزة وآلات الصياغة الحديثة. كم كثيرةٌ هي العبارات التي نكتبها ونقتبسها لتعبر عن آرائنا ومعتقداتنا، وكم هي مؤثرةٌ مشاعرنا عندما نخطها لأحبابنا..فما بالُك إن كانت مصاغةً من الذهب كلماتنا.