المجوهرات الفاخرة .. زينةٌ وخزينة بقلم: تانيا هيكل الطيارة، خبيرة مجوهرات

01 Jun, 2021


بدأ شغفي بالمجوهرات منذ نعومة أظافري، فصقلته بالدراسة وحُزت على شهادة تصنيف الألماس من معهد GIA، ثم أنشأت مدوّنتي GlowynotShowy، على مواقع التواصل الاجتماعي التي أعرض عليها بشكل مستمر قطع مجوهرات فريدة تجذب انتباهي أو حتى أعشقها في كثير من الأحيان، لذلك يعكس حديثي دائماً شغفي بعالم المجوهرات، حتى عندما أتطرّق للموضوع من منظور استثماري.
يعود ذلك، برأيي، إلى أن جذورنا وعاداتنا العربية قد رسخت فينا فكرة شراء المجوهرات كاستثمار مستقبلي قيّم، اذ أنها قطع يسهل حملها ونقلها، كما أنها تبرز رونق وجمال من ارتداها وتحافظ على قيمتها في المستقبل.
إلا أن التحدي في الوقت الحالي يتمثل في معرفة نوع المجوهرات التي تستحق أن نستثمر فيها أكثر من غيرها أو أن ندّخر لشرائها، خاصة بعد ما سببته جائحة كوفيد-19 من تقلبات وأزمات اقتصادية حول العالم، وتحولات سلوكية للمستهلكين، نتيجة عمليات الإغلاق العام، فلذلك قد تأتي إجاباتي للأسئلة التي تُوجّه لي غالباً كمفاجأة للبعض، إلا وأنها تعكس تحليلي الشخصي لسوق التجزئة الخاص بالمجوهرات في يومنا هذا.
ما هي أفضل قطعة مجوهرات يمكن شراؤها بحيث تكون صفقة استثمارية جيدة: قطعة من تصميم مصممين محليين ومواهب شابة، أم قطعة تحمل توقيع علامات تجارية شهيرة؟
للإجابة على هذا السؤال، سأعود إلى خبرتي وخلفيتي في العمل المصرفي، فأضع جانباً المفهوم الفني وراء كل قطعة مجوهرات جديدة وفريدة صادفتها، وأحاول أن أقدم لعملائي نصيحة غير متحيزة.
من الواضح أن العلامات التجارية الفاخرة الكبرى مثل Cartier
و Van Cleef & Arpels و Bvlgari كانت أكبر الرابحين خلال فترة جائحة كوفيد19، بل وحتى خلال فترة الإغلاق العام، فقد أصبح الاستثمار في هذه المجوهرات الفاخرة ذات العلامات التجارية، وتحديداً المجوهرات الأيقونية والذهب، بمثابة «ترند» في جميع أنحاء العالم.
إنّ الاتجاه إلى الاستثمار في أسماء كبيرة قادمة من «Place Vendome» ليس جديداً، بل إنّه شكّل على مدى العقدين الماضيين عملية استثمار آمنة للكثيرين. وزادت دور المجوهرات الفاخرة هذه من أسعارها بشكل سنوي. ومن الأمثلة على المجموعات المميزة: أساور الحب من Cartier التي احتفظت بنسبة 106 % من قيمتها السوقية، ومجموعة Juste un Clou، ومجموعة Al Hambra من Van Cleef & Arpels التي بدورها احتفظت بمتوسط 113 % من قيمتها، ولذلك نجد أن الطلب على القطع المميزة ذات العلامات التجارية الكبرى ما زال كبيراً، ولا تزال تلك القطع تحافظ على سرعة حركتها في السوق الثانوية، وقد أتت الجائحة وما سبّبته من نقص في الإنتاج، لتدعم هذا الاتجاه على حساب دور المجوهرات الأصغر أو الحرفيين الصاعدين. وكخبيرة ألماس يعزّ عليّ أن أصرّح لعملائي بأنّ قطع الألماس التي يملكوها لا تحافظ على قيمتها بالمقارنة مع قطع المجوهرات الراقية، فوفقاً لشركة McKinsey & Company، فإن المجوهرات التي تحمل أسماء علامات تجارية معروفة تمثّل أكثر من 30 % من إجمالي سوق المجوهرات اليوم، وهو ما يمثّل أكثر من ضعف الرقم المسجل في العام 2003.
ومما لا شك فيه أن توجه المشترين نحو المجوهرات ذات العلامات التجارية، يشكّل تحدياً كبيراً للحرفيين الصاعدين بشكل خاص، الذين لا يمتلكون القدرات التسويقية والميزانيات الكافية التي تمتلكها دور المجوهرات الكبيرة.
وأعتقد أن الحل الوحيد لهؤلاء الحرفيين هو تمييز أنفسهم، وليس اللجوء إلى تقليد منتجات بعضهم البعض، أو تقليد العلامات التجارية الكبرى (وهو الفخ الذي عادةً ما يقعون فيه)، وأن يعتمدوا بصدق على إلهامهم الفني والتمسك به. فمن خلال إنشاء هويتهم الخاصة وتقديم قطع فريدة، تركز على ثقافتهم وأفكارهم الشخصية، سيكون بإمكانهم الحصول على القدر الذي يستحقونه من الاعتراف المحلي والعالمي، لتصبح مجوهراتهم في نهاية المطاف قطعاً استثمارية. أما نصيحتي لمن هم مثلي الذين يقدرون التمييز في التصميم، فعليهم، بمساعدة خبير في هذا المجال، اكتشاف وترقّب عدد قليل من المصممين المحليين الذين يستحقون أن يتم الاستثمار بشراء مجوهراتهم، وذلك لأنهم بدأوا باكتساب شهرة عالمية، ومع مرور الوقت ستتحول هذه القطع إلى مجوهرات باهظة الثمن، وهذا برأيي استثمار جيد أيضاً!
هل الأفضل شراء مجوهرات بسيطة من الذهب أو مجوهرات مرصّعة بالألماس؟
تعتبر إجابة هذا السؤال نوع من المعلومات العامة: فأي شخص يسعى لتأمين أكبر سيولة مالية وبشكل أسرع يجب أن يستثمر في الذهب.
ولهذا السبب، فإنني أنصح العملاء الذين لا يحبذون المخاطرة باختيار مجوهرات ذهبية بسيطة خالية من الألماس أو أي أحجار كريمة عند شراء المجوهرات. وعادةً ما يحافظ الألماس الأبيض على قيمته، لكن هذا يعتمد على وزن قيراطه ولونه ونقاوته وقطعه، بالإضافة إلى نوعه (حيث يعتبر النوع IIB هو أندر أشكال الألماس الأبيض، وبالتالي فهو يعد أفضل استثمار). لكن بشكل عام، فإن الألماس ليس سائلاً كالذهب، ونادراً ما تزيد قيمته باستثناء حالات قليلة ونادرة.
ماذا عن لون الألماس ـ أيّهما أفضل، الأبيض أم الملوّن؟
أعتقد حالياً أن الألماس الملوّن يمكن أن يكون فكرة أفضل للاستثمار، فهو نوع نادر بشكل استثنائي، حيث يتم استخراج 10 آلاف قيراط من الألماس الأبيض مقابل كل قيراط واحد من الألماس الملون. ولقد أصبح الحصول عليه مؤخراً أمراً صعباً للغاية، فقد تم إغلاق مناجم مثل منجم أرجيل (المسؤول عن تعدين الألماس الوردي)، كما افتتح عدد أقل من المناجم الجديدة. وهذا يعني أن العرض أصبح محدوداً وأن قيمة الألماس الملون الفاخر سترتفع.
ويحظى الألماس الملوّن الطبيعي بتاريخ حافل من التقدير. ففي العام 2008، عندما انخفض سعر الذهب بنسبة 30 % والألماس الأبيض بنسبة 20 %، ارتفعت قيمة الألماس الملوّن الطبيعي الفاخر بنسبة (3  إلى 4 %). وخلال الثلاثين عامًا الماضية، لم تنخفض قيمة الألماس الملوّن الفاخر أبداً، فأثبتت أنها استثمار رابح على المدى الطويل، مما يجعل من شراء إحدى هذه الأحجار وارتدائها وتوارثها عبر الأجيال قرار ناجح أكثر من بيعها، وكلما زاد حجم الحجر، زادت الفرصة في الاستفادة من صفقة حقيقية أكثر ربحاً في المستقبل. ولأكون أكثر تحديداً، أنصح عملائي باقتناء الألماس النقي بالألوان الأحمر أو البرتقالي أو الوردي أو الأرجواني أو الأزرق.
خلاصة القول، أرى أن المجوهرات ذات العلامات التجارية المتميزة والذهب والألماس الملون الفاخر هي أكثر العروض الاستثمارية أماناً في الوقت الحالي. ربما لا تزال فكرة الاستثمار في الألماس الملون الفاخر فكرة جديدة للعديد من المستثمرين، لكنني أعتقد أنه استثمار قوي وناجح للغاية، شريطة اختيار الجوهرة المناسبة مع الأحجار الكريمة المناسبة. ونصيحتي لمن يجد حجراً يزيد وزنه عن 4 قراريط من الألوان المذكورة أعلاه ألا يتردّد بشرائه، فهذا الحجر سيحظى بقيمة كبيرة في المستقبل بسبب ندرته.
وبغض النظر عن السبب وراء شراء المجوهرات، سواءً كان بداعي الاستثمار أو كذكرى تتوارثها الأجيال، أو حتى للزينة، من الأساسي تخصيص اهتمام دقيق ووقت كافٍ لاختيارها، فالمجوهرات تعد قطعاً فريدة لا تتأثر جودتها مع مرور الزمن. 
وبالنسبة لي، أجد أن أفضل استثمار هو شراء قطعة مجوهرات يمكنك ارتداؤها باستمرار، مثل أقراط الأذن وخاتم الخطوبة والقلادات، والتي تُصبح جزءاً من حياتك اليومية، عندها ليس عليك التفكير بالمبلغ الذي أنفق لشرائها أو عائد الاستثمار بها. فكل ما عليك حينها هو الاستمتاع باقتنائها.