يعتبر التوربيون تعقيداً ذا تاريخ عريق وهدف سام، فقد تمّ اختراعه لتحسين دقة وأداء ساعات الجيب. يعود اختراع التوربيون إلى إبراهام لويس بريغيه، ويُعتبَر واحداً من الميّزات الغامضة في الساعات الميكانيكية.
إستند بريغيه في تطويره التوربيون عام 1795 إلى فكرة سابقة عمل عليها صانع ساعات الكرونوميتر الإنجليزي جون أرنولد. ويهدف التوربيون إلى معادلة آثار الجاذبية عبر تثبيت ميزان وترس توازن على قفص متحرّك يدور بزاوية 360 درجة كل دقيقة. ومن خلال ذلك، يتمكّن التوربيون من تحييد القوى المادية المؤثرة على دقة عمل الساعة، وخاصة حينما تكون تلك الساعة في الوضع الرأسي.
شهد التربيون في أواخر القرن العشرين عودة لافتة، وذلك كجزء من الحرب المضادة التي قام بها صنّاع الساعات السويسريون في وجه هجمة "الكوارتز" اليابانية. فقد وجد هؤلاء في تحويل ساعاتهم إلى قِطَع ميكانيكية فخمة وجذّابة، أداة شيّقة تعكس جدارة وقدرات الحرفيين السويسريين. وأصبح المفهوم السائد يُختَصر بالتالي: كلما زادت التعقيدات الميكانيكية في الساعة زادت فخامةً وقيمة".
إكتشف صانعو الساعات السويسريون جمال حركة التوربيون والمتعة البصرية التي توفّرها إلى جانب القيمة الإضافية التي تمنح للساعة. فبات التوربيون حاضراً في غالبية تشكيلات دور الساعات الراقية والعريقة، على الرغم من أنه لم يتم التأكّد من مدى قدرة هذه الآلية وكفاءتها في ضبط عمل الساعة، وبالتالي الحؤول دون فقدانها نحو 48 ثانية كل سنة!
يمكن القول إن فهم كيفية عمل التوربيون أمرٌ سهل، فهو عبارة عن ميزان ميكانيكي يدور بشكل متواصل حول محوره. ويمكن اعتباره محاولة في الغالب موفقة اعتمدها صانعو الساعات للفت النظر إلى ابتكاراتهم، فتم نقل التوربيون من قلب الساعة إلى وجهها أي المينا، الأمر الذي استرعى المزيد من الانتباه إلى هذا الإبتكار، وجعل متعة النظر إليه متاحة. أضف إلى كل ذلك، أن وجود التوربيون بكل معاييره الجمالية وصعوبة جمع أجزائه وتركيبه جعل منه مبرراً ممتازاً لأي ساعة باهظة الثمن. وقد أصبح الناس يرغبون بساعة توربيون ليس من باب حرصهم على عدم خسارة أي وقت ثمين مهما كان حجمه، وإنما من باب الاستمتاع بالنظر إليه وارتداء شيء باهظ الثمن من دون شك.
يتراوح ثمن الساعة الراقية المزودة بتوربيون بين 50 و100 ألف دولار أمريكي، وقد يكون أكثر مع تطوير العديد من دور الساعات هذه الآلية الفذة، مثل تزويد الساعة بأكثر من توربيون، أو تركيب التوربيون بدرجات انحناء تمنحه بعداً جديداً أو ربط التوربيون بتعقيدات أخرى موجودة في الساعة.
ليس معنى تزويد الساعة بتوربيون أن الساعة فائقة الدقة، فهناك جدل بين صانعي الساعات حول جدوى تزويد الساعة بتوربيون مع التطور التكنولوجي والميكانيكي. ولكن في المقابل ما زال التوربيون بمختلف أشكاله وأنواعه وأعداده يجذب محبي الساعات وجامعيها حول العالم.
فقد قام العديد من صانعي الساعات بإجراء تطويرات مهمة على التوربيون الذي تُزوَّد به الساعات التي يصنعونها، لا بل تخصَّص بعض الصانعين في هذا النوع من الساعات مثلما فعلت غرويبل فورساي على سبيل المثال لا الحصر.
يأتي التوربيون اليوم في أنواع وأشكال مختلفة:
Double-axis tourbillon، Double and quadruple tourbillons،Triple-axis tourbillon، Flying tourbillion.
Double-axis tourbillion: من أبرز سمات هذا التوربيون أنه يدور حول محورَيه، متمماً دورة واحدة كل دقيقة على كلٍّ من هذين المحورين. ويعمل التوربيون بالكامل بآلية خاصّة ذات قوة ثابتة تُسمى "اللفّافة" بهدف معادلة تأثيرات الزنبرك الرئيس، والاحتكاك، والجاذبية الأرضية.
Double and quadruple tourbillions: وهو إحدى الميزات الأساسية في ساعات غرويبل فورساي. فقد أسس هذه الشركة كل من روبرت غرويبل وستيفن فورساي عام 2004، وكانت أول الساعات التي أطلقاها عام 2004 "30°DT ". يتميز توربيون تلك الساعة بإتمامه دورة كاملة حول محوره كل دقيقة، بزاوية بمقدار 30 درجة، داخل قفص آخر يُتِمّ دورة كل أربع دقائق. واصلت "غرويبل فورساي" عملها على تطوير التوربيون فقدمت ساعة QDT، بالاستعانة بوحدتي توربيون مزدوج يعملان بشكل مستقل عن بعضهما البعض.
Triple-axis tourbillion: طوّر توماس بريشر عام 2004 أول توربيون ثلاثي المحاور لصالح شركة Thomas Prescher Haute Horlogerie. وعام 2008 قدم صانع الساعات المستقل آرون بكسي حركة التوربيون الثلاثي المحاور الفريدة لساعة المعصم بحاملات الجواهر التقليدية. تتميز حركة التوربيون المشتملة على ثلاثة محاور بقفص ثالث ذي شكل فريد يوفر إمكانية استعمال حاملات الجواهر في كل مكان، بدلاً من حاملات الكريات.
Flying tourbillion: تستغني هذه الفئة من التوربيونات عن الجسر المثبت، لأنه يأتي مثبتاً من أحد طرفيه، ومن جانب واحد، الأمر الذي يظهره وكأنه معلّق أو يُحلّق بشكل مستقل عن الساعة. صمَّم هذا التوربيون عام 1920 ألفرد هولنغ، وهو صانع ساعات ومدرِّس في المدرسة الألمانية لصناعة الساعات. وعام 1993 ابتكر صانع الساعات كيو تاي يو الذي يتّخذ من هونغ كونغ مقراً له "توربيون" شبه طائر يشمل قفصاً مختزلاً وحيداً لترس الميزان والشوكة الثنائية الطرف.