حمدان بن حميد الهديدي
المؤسس والرئيس التنفيذي - أشفيلدز للاستشارات المحدودة
مستشار علم قياس الوقت
يمثل جمع الساعات والطرازات العتيقة مستوى مختلفاً ومتطوراً من هواية جمع الساعات، وقبل أن أتحدث بإيجاز عن اختلافات سمات الجودة والارتباط بنمط الحياة التي تكمن في الطرازات العتيقة، أود أن أوضح ماهيّة جامع الساعات من الطرازات العتيقة.
إن هواة جمع الطرازات العتيقة من الساعات والمقتنيات المتعلقة بالساعات هم هواةُ استثنائيون؛ فهم يحبون الساعات الاستثنائية، ويحبون الجودة المرتبطة بها، ويعشقون الساعات التي تتحدث عن نفسها، الساعات العتيقة والنابضة بالحياة في ذات الوقت، والتي لا تزال تحتفظ برونقها وشكلها الجذّاب دون أن تتأثر المينا العتيقة فيها، رغم الخدوش الجميلة على هيكلها، والتي لا يشعر بها إلا جامع القطع والطرازات العتيقة المعروف بشغفه وولعه بها.
ويمثل اقتناء الساعات العتيقة بمثابة تعبير عن الاحترام والتقدير والامتنان لورش العمل المتخصصة وصانعي الساعات الحرفيين الذين طوّروا عملية صنع الساعات وحريصون على تحسينها وتسريعها باستمرار، ولاسيما صانعي الساعات المعتادين على الإنتاج من خلال الاستعانة بخبراء متخصصين في صناعة الساعات. فعلى الرغم من أن إرضاء جامعي الساعات المتميزة في جميع أنحاء العالم، يتطلب زيادة الإنتاج مع الحفاظ على الجودة ، فإنه لا يمكن لشركات مثل
Patek Philippe و Vacheron Constantin و Omega و Rolex والشركات الإستراتيجية المماثلة المساومة على الجودة؛ وهذا هو السبب في أن إنتاج هذه الشركات اليوم يمثل نتاج أفضل خبرات عريقة وأساليب متطورة التي يتولى تشغيلها وإدارتها أفضل صانعي الساعات والمهندسين في هذا المجال على مستوى العالم.
فعندما تحلّ الآلات محلّ العمالة اليدوية، تكون النتيجة متسقة دائمًا، كما هو متوقع ومستهدف، إلا ان النتجات التي تنتجها تكون «بلا حياة... لأنها لم تلمسها أيدي البشر». وسيختفي الكثير من روح الإبداع والعمق الذي تراه في ميناء الساعة أو الجمال الذي تراه بها، وسيكون هناك حد للإثارة والحماسة... ومع اعتماد الآلات في الإنتاج ستتوقف هذه الإثارة وهذا الحماس لا محالة.
وتصل هذه الروح والسمات إلى ذروتها في الساعات العتيقة والمقتنيات المتعلقة بالساعات المبتكرة وبشكل خاص تلك التي تم ابداعها في العصر الثالث لصناعة الساعات الفاخرة. حيث تم إنتاج الفئة الأولى من الطراز القديم بين عام 1850 حتى عام 1920، ثم الفئة الثانية من عشرينات حتى خمسينيات القرن الماضي، والثالثة من ستينيات حتى تسعينيات القرن العشرين.
وقد تم حتى عام 1920، إنتاج أفضل ساعات الجيب، إنها الساعات التي احتوت على أعمال فنية كثيرة خاصة في تكوين الميناء، كما تضمنت الكثير من العمل اليدوي والدقة والبراعة؛ وهذا يمثل تحديًا كبيرًا بالنسبة للعديد من صانعي الساعات اليوم. على سبيل المثال، جاء تصنيع أفضل أنواع ساعات «التوربيون» على أيدي Patek Philippe
وVacheron Constantin و Breguet و Charles Frodsham والعديد من الأسماء المعروفة آنذاك، هذا العصر المعروف بساعات الجيب وساعات الحائط. واليوم، يبحث جامعو الساعات التي تم إنتاجها في هذا العصر عن شيء لم يرّه هواة جمع الساعات الآخرون بعد ولم يهتموا به بعد، وهؤلاء ليسوا أفرادًا عادة، وإنما متاحف ومؤسسات تدرس طرق وأساليب صانعي الساعات وتحقيق التطابق، علمًا أن العديد من الدراية الفنية والأساليب المستخدمة في تصنيع هذا النوع من الساعات قد اختفت مع صانعي الساعات تاركةً فضولاً وحماسة للأجيال المقبلة.
وبدأ اتجاه ساعات المعصم منذ العشرينات من القرن الماضي وازداد بشكل ملحوظ، ولا يزال يتزايد حتى الآن. وفي هذه المرحلة ارتقى مستوى الإبداع في الصناعة والتصميم إلى مستويات غير مسبوقة، وهو ماتجسد في ظهور تشكيلات واسعة من التصاميم المبدعة بدءاً من الساعات المستديرة الكلاسيكية إلى الساعات ذات الأشكال غير العادية التي حظيت بشعبية كبيرة وحافظت على شعبيتها بمرور الزمن لتمتعها بتصاميم وسمات لا يمكن العثور عليها إلا في الطرازات العتيقة. وهناك العديد من النقاط الرئيسية التي تدفع الطرازات العتيقة إلى النجاح الحالي الذي نشهده اليوم:
ـ جودة الصنعة والمهارة الفنية التي رسختها شركات تصنيع الساعات من خلال استخدام الحرفيين من صانعي الساعات في صنع كل جزء وعنصر من عناصر الساعة باستخدام مهاراتهم الاستثنائية. فشركات مثل Patek Philippe و Vacheron Constantin و Omega و Rolex
وLemania و Longines و Breitling و Breguet و Audemars Piguet و Panerai وغيرها من الشركات التي اختفى أثرها بمرور الوقت؛ تاركة تاريخًا وقصصًا ورائها، والعديد منها استمر في تلبية توقعات جامعي الساعات واحتياجاتهم المستقبلية أو الحديثة.
ـ بغض النظر عن حالة معظم الساعات العتيقة، نجد أنها مازالت نابضة بالحياة بسبب مكوناتها الأصلية، بحيث يمكن لهواة جمع الساعات التحدث إلى هذه القطع العتيقة، وهو ما يضفي شعوراً بوجود تفاعل حقيقي فيما بينهما، مع شعورهم بالفخر لأنه لم يعد يتم انتاج القطعة التي بين أيديهم.
ـ استخدم العديد من صانعي الساعات وورش العمل الموارد الطبيعية في ابتكار وتصنيع ساعات وقطع فنية تمنح المتعة المتوقعة من هذه القطع بفضل سمات العراقة الظاهرة عليها، بما في ذلك التقادم الظاهر بمرور الزمن في المينا ومؤشرات الأرقام والأكسدة التي يجدها هواة جمع الساعات مثيرة للغاية بل وتجعل القطع أكثر قابلية للجمع وتعزز الشغف بها.
ـ تقوم العديد من العلامات التجارية العالمية وصانعي الساعات حتى هذا اليوم باستخدام حركات ميكانيكية عتيقة وجديدة في ذات الوقت، كأساس في صناعة الساعات، وفي بعض الأحيان يقومون بتعديل الحركات لإضفاء تفرّد وتخصص جزئي إليها.
وختامًا، نحن ندرك أن العديد من الشركات الرائدة في إنتاج الآليات المعقدة لم يعد لها مكان هنا «بسبب قسوة السياسات السائدة في مجال صناعة الساعات»، لكن أعمالهم الفريدة لا تزال موجودة وستظل دائمًا بسبب إبداعاتهم التي لا تضاهى. إن منح الفرصة لهواة جمع الساعات ليكونوا واثقين ومتأكدين من وجود عدد محدود من تلك الحركات الميكانيكية، كونها نفس الحركات الموجودة في علامات تجارية مختلفة، يمنح جامع الساعات فرصة اختيار العلامة التجارية التي يريد شراءها. ومن أبرز الأمثلة في هذا المجال، الحركات الميكانيكية Valjour وLemania وMarvin وVenus باعتبارها من بين الأسماء التي يُضرب بها المثل والتي جرى استخدامها أكثر من قِبل العديد من الأسماء القوية الشهيرة في صناعة الساعات مثل Rolex و TAG Heuer
و Jaeger-LeCoultre و Patek Philippe و Vacheron Constantin
و Hermès و Omega و Roger Dubuis و Franck Muller والعديد من الأسماء الأخرى التي اعتمدت على الأساليب والتقنيات القديمة لتحقيق النتيجة المنشودة.
بصفتي من هواة جمع الساعات المنفتحين، أعتقد أن جامع القطع والطرازات العتيقة هو جامع للساعات الخاصة والفريدة من نوعها، الساعات النابضة بالحياة، التي تتحدث عن نفسها من خلال مظهرها العتيق والخدوش الظاهرة عليها، فمن يجمع القطع العتيقة لايحرص فقط على أن يكون مختلفًا ، وإنما أيضاً أن يكون هذا الاختلاف متميزًا وفريدًا من نوعه.